الموجة الثانية لكوفيد 19 : هل يعيد التاريخ نفسه؟
بقلم: آيه دياب
بعد شهور من إجراءات الإغلاق وحظر التجول الذي شهدته دول العالم بسبب تفشي فيروس الكورونا؛ بدء العالم الآن أن يعود للحياة الطبيعية حيث قامت معظم الدول برفع هذه الإجراءات عن مدنها وكذلك إجراءات حظر التجول بينها وبين الدول الأخرى، وأصبح الأمر الآن في يد المواطن؛ الحفاظ على حياته وحياة الآخرين من حوله وتجنب إعادة التاريخ.
كيف يمكن أن يعيد التاريخ نفسه؟
يجب ألا تسمح البشرية بتكرار نفس الخطأ مرة أخرى، فما نعيشه الآن قد شهده التاريخ سابقًا، ففي عام 1918م كانت من أشد الجوائح في التاريخ هي الإنفلونزا الإسبانية والتي استمرت لمدة عامين على مدار ثلاث موجات أدت إلى وفاة 50 مليون وإصابة 500 مليون أخرين (حوالي ثلث سكان الكوكب).
ما هي الإنفلونزا الإسبانية؟
يعتبر ما يسمى بالإنفلونزا الإسبانية، أحد أكثر الأوبئة تدميراً في التاريخ، وقد بدأت في التفشي بين يناير وفبراير عام 1918 في الولايات المتحدة عندما لقيت موجة من الناس حتفهم بعد ظهور أعراض الصداع وصعوبة التنفس والسعال والحمى الشديدة.
تشترك الإنفلونزا وفيروس كورونا في الطريقة التي تنتقل بها عبر قطرات الجهاز التنفسي والأسطح التي تهبط عليها. ففيروس الإنفلونزا الإسبانية -تمامًا مثل فيروس الكورونا- هو فيروس يهاجم الجهاز التنفسي، وهو شديد العدوى حيث تحدث الإصابة به عن طريق قطرات الجهاز التنفسي للشخص المصاب عند العطس أو السعال. أو حتى يمكن أن يصاب الشخص إذا قام بلمس شيئًا مُلوث بالفيروس ثم قام بلمس فمه أو عينيه أو أنفه.
ما وجه الشبه بين جائحة فيروس الكورونا وجائحة الإنفلونزا الإسبانية؟
تمامًا كما هو الحال الآن، حدثت الموجة الأولى من جائحة عام 1918 في الربيع وكانت خفيفة بشكل عام. وكان عادة ما يتعافى المرضى بعد عدة أيام، بعد ظهور أعراض الأنفلونزا عليهم مثل الحمى والإرهاق، وكان عدد الوفيات المبلغ عنها منخفضًا.
عندما ظهرت الإنفلونزا الإسبانية، كان الأطباء والعلماء غير متأكدين من سببها أو كيفية علاجها. فلم تكن هناك لقاحات فعالة أو أدوية مضادة للفيروسات لعلاج الأنفلونزا. (ظهر أول لقاح مرخص للإنفلونزا في أمريكا في الأربعينيات).
بالإضافة إلى ذلك، كانت المستشفيات في بعض المناطق مكتظة بمرضى الأنفلونزا لدرجة أنه كان لا بد من تحويل المدارس والمنازل الخاصة والمباني الأخرى إلى مستشفيات مؤقتة.
وقام المسؤولون بفرض الحجر الصحي، وأمروا المواطنين بارتداء الأقنعة وإغلاق الأماكن العامة، بما في ذلك المدارس والكنائس والمسارح. ونُصح الناس بتجنب المصافحة والبقاء في منازلهم، وأوقفت المكتبات إقراض الكتب وصدرت لوائح تحظر البصق.
ومع ذلك وبعد تخفيف إجراءات الإغلاق، كان قد شعر الناس بالسوء حيال الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي حتى عندما تم رفع تلك الإجراءات ابتهج الناس بعودة الحياة لطبيعتها وتخلوا عن الإجراءات الاحترازية، الأمر الذي أدى إلى حدوث الموجة الثانية من الإنفلونزا الإسبانية في الأسابيع التالية في خريف نفس العام، والتي كانت أشد فتكًا وأكثر شراسة من الموجة الأولى. حيث مات الضحايا في غضون ساعات أو أيام من ظهور الأعراض. فكما هو الحال الآن مع فيروس الكورونا؛ لم يكن هناك أي أدوية أو لقاحات فعالة لعلاج سلالة الإنفلونزا القاتلة هذه. ذلك ونظرًا لسرعة انتشار الفيروس بشكل كبير وبأعداد كثيرة جدًا، ارتفعت نسب الإصابة والوفيات بشكل كارثي، ويعتقد العلماء أن عدد الوفيات قد يكون أكبر بكثير من الأعداد المطروحة نظرًا لضعف حفظ السجلات وتعثر الإبلاغ بها وإحصائها عالميًا وقتها.
وبناء على ذلك تسببت الأنفلونزا في خسائر بشرية فادحة، حيث قضت على عائلات بأكملها وتركت في أعقابها عددًا لا يحصى من الأرامل والأيتام. وتكدست الجثث حتى اضطر الكثير من الناس إلى حفر قبور لأفراد أسرهم.
أضّرت الإنفلونزا الإسبانية أيضًا باقتصاد كثير من دول العالم، حيث أُجبرت الشركات في الولايات المتحدة على الإغلاق لأن الكثير من الموظفين كانوا مرضى. كما تعطلت الخدمات الأساسية مثل تسليم البريد وجمع القمامة بسبب إصابة العمال.
كيف انتهت جائحة الإنفلونزا الإسبانية؟
لم يتوصل العلماء لعلاج للأنفلونزا الإسبانية إلا لاحقًا في الأربعينات. لكن بحلول صيف عام 1919، انتهت جائحة الأنفلونزا الإسبانية، حيث مات المصابون أو طوروا مناعة ضدها وهو ما يعرف الآن بـ"مناعة القطيع".
وبعد ما يقرب من 90 عامًا، في عام 2008، أعلن الباحثون أنهم اكتشفوا ما جعل إنفلونزا عام 1918 مميتة للغاية: حيث كان لجينات ذلك الفيروس القدرة على إضعاف أنابيب الشعب الهوائية ورئتي المصاب وتمهيد الطريق للالتهاب الرئوي الجرثومي.
خلاصة القول:
لا نقصد بحديثنا السابق إثارة الذعر لديك ولكن أردنا تسليط الضوء على الدروس المستفادة من أخطاء البشرية في مواقف مماثلة على مدار التاريخ حتى لا نقع في نفس الخطأ.
تُعتبر الإنفلونزا الإسبانية معيارًا مهمًا من قبل المؤرخين والعلماء الذين يهدفون إلى تعلم الدروس من الفاشيات السابقة في مواجهة جائحة فيروس كورونا الحالي.
نعم قد توصل العلماء في النهاية لعلاج للأنفلونزا الإسبانية، لكن ذلك بعد أن فقدت البشرية أعداد ضخمة وحل الظلام والحزن والخوف على العالم لفترة طويلة.
لذا، دعونا لا نكرر التاريخ. ففيروس الكورونا لايزال موجودًا ويصيب ملايين حول العالم يوميًا بلا علاج أو لقاح حتى يومنا هذا. لذا يجب على كل منا القيام بدورة لمساعدة البشرية على تخطي تلك الجائحة بأقل الخسائر وتجنب تكرار التاريخ في هذا الوقت. فرفع إجراءات الإغلاق وحظر التجول عن المدن لا يعني التخلي عن اتخاذ الإجراءات الاحترازية وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي التي تلعب دورًا فعالًا جدًا لتجنب الإصابة بفيروس الكورونا ونشرة وبالتالي تجنب حدوث موجة أخرى أكثر شراسة لفيروس الكورونا.
لذا، إليك أهم الإجراءات الاحترازية لتجنب الإصابة بفيروس الكورونا ونشره:
- أغسل يديك بالماء والصابون كل نصف ساعة وقبل تناول الطعام وبعده -لمدة 40 ثانية في كل مرة- وفي حالة عدم توفرهما، يمكنك استخدام معقم اليدين الكحولي.
- عند العطس أو السعال قم باستخدام المناديل الورقية ثم تخلص منها بالشكل الصحيح، في حالة عدم توفرها معك قم بالعطس في ثنية كوعك.
- لا تخرج من المنزل إلا للضرورة، وفي حال خروجك للعمل أو لقضاء مقاضيك أرتدي الكمامة وحافظ على ترك مسافة 2 متر بينك وبين كل من حولك.
- تجنب التواجد في الأماكن المزدحمة والأماكن المغلقة.
- تجنب مصافحة الآخرين
- تجنب استخدام أغراض الآخرين وقم باستخدام أغراضك الشخصية فقط.
- تجنب السفر للبلاد والمناطق ذو أعداد الإصابات المرتفعة، وفي حالة السفر لأي مكان قم بعزل نفسك أسبوع واحد على الأقل.
- في حالة ظهور أي أعراض لفيروس الكورونا عليك من حمى، سعال أو إرهاق قم بعزل نفسك وأتصل بـ (937) لتلقى الإرشادات والمساعدة.